الملتقى الثاني للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم

النسخــــة الثانيــة: بذل السلام للعالــم


تحت رعاية سامية من فخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وبحضوره شخصياً، افتتح معالي الشيخ عبد الله بن بيه رئيس «منتدى أبو ظبي للسلم»، أعمال الملتقى الثاني لـ«المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم- بذل السلام للعالم»، الذي يعقد في نواكشوط من 8 إلى 10 فبراير 2022، وسط حضور حاشد من الشخصيات الدولية والإقليمية ووزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية والعلماء والمفكرين والسياسيين من مختلف النخب الثقافية الإفريقية، يتقدمهم معالي الوزير الموريتاني الأول، السيد محمد ولد بلال مسعود، ورئيس المجلس الدستوري، وزعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية، والوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية، وسعادة السفير رشاد حسين سفير الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأمريكية، وسعادة محمد صالح النظيف ممثل أمين عام الأمم المتحدة في غرب إفريقيا، ومعالي محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف في جمهورية مصر العربية، وسعادة الدكتور آدم ديانغ، مستشار الأمم المتحدة السابق؛ بشأن منع الإبادة الجماعية، ومعالي الدكتور محمد كوني، وزير الشؤون الدينية في مالي، ومعالي الدكتور الداه ولد أعمر طالب، وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصيل في جمهورية موريتانيا.

وقال معالي الشيخ عبد الله بن بيه: إن موريتانيا مؤهلة لاستعادة دورها الريادي؛ كبوابة للسلام وعنوان للأخوة والوئام، وحاضنة للحوار والمصالحات، وبوتقة لتلاقح الثقافات والحضارات الإسلامية والعربية والإفريقية؛ في ضوء رؤية فخامة الرئيس الغزواني، التي تتضمن تصوراً متكاملاً وشاملاً نحو السلام وثقافة الحوار في إفريقيا. منوهاً بأن منتدى أبو ظبي للسلم، يعتز بهذه الشراكة المهمة والضرورية وتثمنها دولة الإمارات العربية المتحدة التي ما فتئت تدعم جهود السلام والمصالحات في كل دول العالم، وبخاصة في إفريقيا ودول الساحل انطلاقاً من رؤيتها الثابتة؛ لأهمية التعايش والتصالح والتسامح، وهي رؤية ترى أنه لا مستقبل لعالم يمتلك أسلحة الدمار الشامل إلا في ظلال السّلام الدائم.

وأضاف معالي الشيخ ابن بيه أن ما حظي به إعلان نواكشوط في سنة 2020م من قبول واستحسان وما ناله من إشادة وتنويه، على المستويين الإقليمي والدّولي؛ من جهات على رأسها الاتحاد الإفريقي الذي تبنى على مستوى قمته في فبراير من نفس السنة مضامين (إعلان نواكشوط)، ليبرهن على وجاهة المبادرة وراهنية الموضوع. كما يعكس هذا التقدير المكانة التي تحظى بها موريتانيا بمحاضرها وحواضرها وماضيها وحاضرها، في ظل قيادتكم الرشيدة فخامة الرئيس.

ركاب السفينة

ولاحظ الشيخ ابن بيه أن المؤتمر ينعقد هذه السنة بضوء صورتين، الأولى متمثلة في تبعات كورونا، وأن البشر اليوم مثل ركاب السفينة يحكمهم مصير مشترك، مما يؤكد أولوية البحث عن قيم .التضامن

أما الثانية، فتتمثل في شعار المؤتمر لهذا العام، بذل السلام للعالم، وهو مقتبس من الحديث الصحيح المحكوم له بالرفع الذي يرويه عمّار بن ياسر: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السّلام للعالم، والإنفاق من إقتار. لماذا اخترنا هذا العنوان؟ البذل أكثر من مجرد العطاء، أما كلمة العالم في لغة العرب فتعني كل ما سوى الباري جل وعلا. وأما السلام هنا فليس مجرد لفظ السلام، بل هو الأخلاق وأسباب المحبة، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر. فالمسلم الحق مطلوب منه أن يبذل السلام للعالم كله إنساناً وحيواناً وبيئة. أن يكف يده عن الأذى، ولسانه عن نشر الفتن، وقلبه عن الكراهية، ففي الحديث الصحيح: (ألَا أُخْبِرُكُم مَنِ المُسلِمُ؟ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لِسانِه ويَدِه)، وفي رواية (مَن سَلِمَ الناس مِن لِسانِه ويَدِه والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم .وأموالهم)، وهذه الرواية التي وردت فيها كلمة الناس هي صحيحة أيضاً، وهي تؤصل لمبدإ (عصمة الآدمي) كما يسميها الحنفية، أي عصمة دمه وحرمته وماله

أسئلة الوقت

وأكد معالي الشيخ ابن بيه أنّ الأزمات التي تعانيها منطقتنا لها أبعاد سياسية وتنموية واجتماعية، وتستدعي حلولاً شاملة، غير أن البعد الذي نحن بصدده هنا هو البعد الفكري، فإذا صلحت الأفكار صحّت الأعمال. متسائلاً: كيف نطفئ الحرائق الملتهبة في أنحاء القارة؟ كيف نوقف دائرة العنف والإرهاب المفرغة التي لا يُعرف طرفاها، ولا يدري القاتلُ فيها لم قتَل ولا المقتول فيمَ قُتِل؟

وأجاب معاليه بأنّ هذه الأسئلة يمكن أن توجه إلى ثلاث جهات رئيسية: هم العلماء، وأولو الأمر، والشباب. فالعلماء هم العارفون بمقاصد الشريعة ومن واجبهم التبيين وتحديد المفاهيم. داعياً إياهم إلى الالتفات إلى فقه السلم، ففيه إحياء لجوانب مهمة من التوجيهات القرآنية والنبوية ومناحٍ من السنن والسيرة المطهرة وضبط للمفاهيم الشرعية.

وأوضح أن المفهوم الشرعي محكوم بخطابين، خطاب تكليف، وخطاب وضع. فإذا اختلّ خطاب الوضع بشروطه وأسبابه وموانعه، اختل خطاب التكليف فينقلب المطلوب محرماً؛ بل إن الصلاة والصوم قد يحرمان إذا لم يستكملا شروطهما وأسبابهما وانتفاء موانعهما. وكذلك الجهاد وكل المصطلحات الشرعية. مما يستدعي تحديد وتجديد جملة من المفاهيم بكل قوة ووضوح، وضبط علاقتها بالمصالح، والكشف عن ضوابطها وحدودها الشرعية؛ في ضوء النصوص الحاكمة والمقاصد الناظمة. ولذلك تكون مهمة العلماء التبيين، ومعنى ذلك أن كل حكم يتعلق بثلاث جهات، هي جهات التبيين والتعيين والتمكين: فالتبيين هو موقف لإظهار الحكم للناس، أما التعيين فيتعلق بأعيان من يتجه الحكم إليه، فالأول هو مهمة العلماء والفقهاء، وأما الثاني فهو مهمة القضاة، وأما الثالث فهو مهمة الجهات التنفيذية، فما نحن بصدده هنا هو التبيين، فلكل جهة مهامها ولكل مرتبة مقامها.

المصالحات والحوارات

أما الجهة الثانية المعنية بإطفاء الحريق، فهم أولو الأمر الذين عليهم مهمة التمكين. وفي هذا السياق أرى أن من أهم ما ينبغي أن نبرزه في هذا الملتقى هو الدعوة إلى إعادة الفاعلية لمبدإ الحوار والمصالحة، انطلاقاً من قناعتنا الراسخة التي غدت كثير من الجهات الدولية تشاركنا فيها، بأن الحلول العسكرية والأمنية وحدها غير كافية، وأنه آن الأوان لنستعيد التراث الإفريقي الأصيل في التسامح وفي حل المشكلات بالحوار والوساطات والمصالحات بالحكمة؛ تحت أشجار الباوباب (الدوم) أو النخيل المثمرة.

السّلام والواجبات الدينية

أما الجهة الثالثة التي نتوجه إليها بالخطاب فهم الشباب لنقول لهم: إنّ دعوة السلم هي دعوة محبة وشفقة على أبنائنا الشباب من أن يضيعوا أعمارهم وأوطانهم في تدمير ذاتي لا تعمير، وفي ضياع لا صلاح. فالجهاد كما شرعه الله عز وجل ومارسه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الراشدون، كان من أجل السّلم والرَّحْمة، وأما هذا الذي هم فيه: فهو بغي وخروج على الناس بالسيف، لم تتوافر فيه أسباب الجهاد ولم تتوافر فيه شروطه، وهو عبث لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً، بل يزهق النفوس البريئة ويؤجج الاقتتال الداخلي والحروب الأهلية التي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلّم في خطبة الوداع: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وكما قال الإمام أحمد لمن شاوروه في الخروج على السلطان في فتنة خلق القرآن (لا تقتلوا أنفسكم وتقتلوا المسلمين معكم).

وقال معالي الشيخ ابن بيه إن تطبيق الشريعة الذي يرفعه البعض شعاراً، فأول تطبيق للشريعة هو إحلال السلام وإيقاف الحرب. أما العقوبات الشرعية فهي من خطاب التكليف المحاط بخطاب الوضع، فتارة يكون إيقاعها واجباً، وتارة يكون حراماَ؛ إذا جرَّ تطبيقها مفسدة، وتارة يكون التخيير فيها للحاكم عند التوبة كما يقول الشيخ ابن تيمية. فترك الحدود من دون إنكار لا يعد كفراً.

خمسيّات فقه السلم

وأكد معالي الشيخ ابن بيه على خمسيّات تؤطر فقه السلم، موضحاً أن السلام مقصد أعلى تتحقق من خلاله بقية المقاصد. فبالسلام ترفع الدعائم الخمس، وتقام الصلوات الخمس، وتحفظ الكليات الخمس، وتحقق القيم الخمس، وتطبق القواعد الخمس. موضحاً أنه في ظل الأمن والسلام، ترفع دعائم الإسلام الخمس، من شهادتين وصلاة وصيام وزكاة وحج. وفي ظلاله تقام الصلوات الخمس (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة)، وبالسلم تلتئم الجماعات والجمع ويرفع أذان الإيمان والأمان، وبه تحفظ الكليات الخمس من دين ونفس وعقل وعرض ومال.

وشدد معاليه على أن هذه الضروريات الخمس هي أسمى حقوق الإنسان التي منحها له الله عز وجل، لا ثبوت لها ولا ثبات إلا في إطار المجتمع الآمن الذي يتمتع بدرجة من السلم. ففي ظل السلام وما يوفره من الألفة والسكينة والأمل تعرف أسبابها وتتوافر شروطها وترتفع موانعها وبفقده تسفك الدماء المعصومة وتنتهك الأعراض المحترمة. وفي ظل السلام تتحقق القيم الخمس الحاكمة للشريعة من خير ورحمة، وعدل وحكمة ومصلحة. والتي ذكر ابن القيم منها أربعة وزدت الخامسة التي هي قيمة الخير. وبالسلام تتحقق القواعد الفقهية الخمس الناظمة لكل الشريعة، فالأمور بمقاصدها، والضرر يزال، والعادة محكمة، والمشقة تجلب التيسير، واليقين لا يزول بالشك.

مقترحات وآفاق

وفي الختام أكد معالي الشيخ ابن بيه على الحاجة إلى مواصلة البحث عن خطاب جديد مقنع، وإلى مقاربة متجددة تفتح الآفاق وتقترح الحلول بعيداً عن خطاب اليأس والقنوط الذي نُهي عنهُ المؤمنون: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) (يوسف: 87). وخلص معاليه إلى جملة مقترحات رمزية وعملية، منها:

استحداث لجنة للحوار والمصالحات والتنمية، تجمع بين الحكماء والوجهاء والعلماء في كل بلد، وتعنى بالوساطات والمصالحات لفض النزاعات ذات الأشكال والأنماط المختلفة، سواء كان مردها إلى ضغائن وإحن تاريخية أو عصبيات عرقية وقبلية أو كان سببها الفكر المتطرف والإرهاب.

قوافل السلام، التي يمكن أن تتكون من الأئمة والوجهاء من مختلف العرقيات والقبائل في المناطق التي تعاني من الحروب الأهلية والصراعات الدموية.

إنجازات في التسامح

وتحدث سعادة السفير رشاد حسين سفير الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأمريكية، فتوجه بالشكر إلى الرئيس الموريتاني، على ما يقوم به في إطار تعزيز السلم في إفريقيا، كما توجه بخالص الشكر والتقدير لمعالي الشيخ عبد الله بن بيه على مشروعه الإنساني الشامل في إطار رفد قيم السلم بروح أخلاقية إنسانية، تنضح من ثقافة الإسلام. مؤكداً أنه تابع الشيخ ابن بيه منذ 2012 وبخاصة عندما لفت نظر الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، بمقولته الشهيرة، إعلان الحرب على الحرب؛ لتكون النتيجة سلماً على سلم، حيث استشهد بها الرئيس الأميركي في كلمته خلال اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2015. وأشار حسين إلى إنجازات الشيخ ابن بيه في إطار تعزيز السلم وترسيخ قيم الحكمة والتسامح؛ بدءاً من إعلان مراكش لحقوق الأقليات في الديار الإسلامية عام 2016، وما تلاها من إنجازات من إعلانات ومواثيق، ميثاق واشنطن لتحالف القيم، وميثاق حلف الفضول العالمي الجديد، وآخرها مطلع العام الماضي، إعلان أبو ظبي للمواطنة الشاملة.

صوت الحكمة والعقل

كما تحدث سعادة محمد صالح النظيف، ممثل أمين عام الأمم المتحدة في غرب إفريقيا، فتوجه بالشكر والتقدير لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ومعالي الشيخ عبد الله بن بيه. منوها بأهمية مشروع المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، وبخاصة موضوع ملتقاه الثاني الذي يعقد في نواكشوط تحت عنوان بذل السلام للعالم. ذلك لأن إفريقيا مثخنة بالجروح، وأنها بحاجة لصوت الحكمة والعقل من أجل وقف الاحتراب، وبدء التنمية والعمران.

السلم مطلب الإنسان

وتحدث معالي الوزير محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، معرباً عن اعتزازه بزيارة موريتانيا للمشاركة في أعمال المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، الذي هو في الأصل حلقة تناغم بين طموحات فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ورؤى الشيخ الجليل عبد الله بن بيه.

وأشاد جمعة بموضوع المؤتمر وغايته، ملاحظاً أن السلم هو غاية جليلة وهو مطلب إنساني، وأقل الدلالات على ذلك أن جذره اللغوي من سَلِمَ، وهو ما يختزله الحديث النبوي الشريف، المسلم من سلم الناس من يده ولسانه. مما يعني أن المسلم هو سلم مع البشر والحجر، مع النبات والحيوان، فهو أمان واطمئنان للكائنات. وختم جمعة ملاحظاً أن المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم بالتعاون مع منتدى أبو ظبي للسلم يرفعان تحية السلام للعالم أجمع.

الحاجة للسلم

كذلك تحدث معالي الدكتور محمد كوني، وزير الشؤون الدينية في مالي، فأثنى على دور فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وصاحب العلم الرفيع الشيخ عبد الله بن بيه. متمنياً أن تتمكن مبادرتهما التي تنطلق من نواكشوط من طي الصفحة السوداء من النزاعات والخصومات في راهن إفريقيا، ذلك لأن الأفارقة أهل قربة وتواد عبر التاريخ الطويل، وأن الاحتراب والنزاع زعزعا استقرارها، وأجهزا على تنميتها، وشردا إنسانها في مختلف بقاع الأرض، فضلاً عن ضحاياها الذين تدمي أعدادهم القلوب.

اختتم الافتتاح فخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس جمهورية موريتانيا الإسلامية، فرحب بأصحاب السماحة العلماء وبكافة الضيوف الكرام على أرض الجمهورية الإسلامية الموريتانية، التي ظلت على مر العصور وجهة للعلماء والباحثين من شتى أنحاء العالم وفضاء تنوع ثقافي فريد، ومصدر إشعاع حضاري واسع انتشرت بفضله تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وقيمه الخالدة من تسامح وإخاء ووسطية في ربوع هذه المنطقة.

كما توجه بالشكر الجزيل إلى صاحب السماحة الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى أبو ظبي للسلم، على تنظيم النسخة الثانية من المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، وكذلك على ما دأب عليه سماحته من تكريس علمه ودقيق فهمه؛ لكبريات قضايا العصر، وما تنطوي عليه من تحديات جسيمة؛ لترسيخ السلام والمودة والإخاء بين شعوب العالم.

وقال الرئيس الغزواني إن التطرف وما ينشأ عنه من عنف وإرهاب، يحصد أرواح الأبرياء، ويلحق بالغ الضرر باقتصاديات العديد من البلدان وبأمنها واستقرارها، يشكل اليوم، خاصة في قارتنا الإفريقية، خطراً محدقاً يهدد كيانات الدول ويسد كل آفاق الاستقرار والتنمية.

وأوضح فخامته أنه نظراً لتعقد ظاهرة التطرف والإرهاب؛ بحكم تشابك عواملها المتعددة، فقد تبنت الجمهورية الإسلامية الموريتانية، في مواجهتها استراتيجية مندمجة ومتكاملة؛ لم تقتصر على البعد العسكري والتنموي فقط، بل شملت كذلك بعداً فكرياً هو محور أساسي في بنيتها العامة، إذ إن التطرف في الأفكار هو غالباً منشأ التطرف والعنف في الأفعال، فالفكر المتطرف يجد في هشاشة الأوضاع الاجتماعية والظلم والفقر والجهل والبطالة، بيئة مواتية للنمو والانتشار في الجسم الاجتماعي، خاصة في فئة الشباب ليتحول على أثر ذلك إلى عنف إرهابي فعلي هادم وفتاك.

وأكد فخامة الرئيس الغزواني أن الانتصار على الإرهاب يستلزم ضرورة كسر شوكته العسكرية، وكذلك حرمانه من بيئة مواتية؛ بالعمل على مكافحة الجهل والبطالة والفقر، وعلى إقامة دولة قانون راسخة الأساس، وبناء تنمية شاملة مستديمة، ولكنه يتطلب كذلك في المرتبة الأولى، العمل على تنقية العقول من بذور التطرف الفكري بإشاعة ثقافة السلام والمحبة والإخاء، وبنشر قيم الدين الإسلامي الحنيف من تسامح ووسطية وإخاء، والذب عنها في وجه قراءات منحرفة وتأويلات مضللة.