
البيان الختامي
بسم الرحمن الرحيم
البيان الختامي للملتقى الرابع للمؤتمر الإفريقي لتعزيز للسلم
نواكشوط 27-29 جمادى الآخرة 1445هـ، 9-11 يناير 2024م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين؛
وبعد،
فانطلاقا من قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وقوله صلى الله عليه وسلم (وإنَّ المَلائكةَ تَضَعُ أجنِحَتَها لطالِبِ العِلْمِ رِضًا بما يَصنَعُ).
وإيمانا بأن العلم والسلم قرينان لا ينفصلان، وصنوان لا يفترقان؛
واستشعارا للحاجة إلى استعادة دور العلم الأصيل في تعزيز فاعلية قيم الإسلام الكبرى؛
ووعياً بأهمية التربية والتعليم في استئصال الفتن من النفوس، واجتثات نزعات الحروب من العقول قبل أن تتحول إلى أفعال تدمّر البلاد وتفني العباد؛
واستثماراً لما راكمه المؤتمر الإفريقي من نتائج في دوراته السابقة، وما ظل يسعى له من توفير فَضاء للعلماء والباحثين العاملين على نشر رسالة السلم والتعاون على الخير في القارة؛
وتفعيلاً لمخرجات إعلان نواكشوط التاريخي 2020 الذي أوصى بحمایة المؤسسات التقلیدیة (مثل المدارس المحلیة، والزوایا)، وإحیاء دورها الفعال في تقوية النسيج الاجتماعي وحفظ الهوية الدينية والثقافية وتمتين وشائج القرابة والجوار في المجتمعات الافريقية؛
انعقد بنواكشوط الملتقى الرابع لـ"المؤتمر الإفريقي للسلم" تحت شعار "التعليم العتيق في إفريقيا: العلْمُ والسلْمُ" من 27 إلى 29 جمادى الآخرة سنة 1445هـ الموافق لـ 9 إلى 11 يناير 2024م، برعاية كريمة من فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية وبدعم كريم ومتواصل من دولة الإمارات العربية المتحدة وبإشراف معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس المؤتمر الافريقي لتعزيز السلم، رئيس منتدى أبوظبي للسلم.
وشارك في أشغال الملتقى حشد غفير ما بين رؤساء ووزراءَ وممثلي منظّمات أممية، ومسؤولي منظمات إسلاميّة، وسفراءَ وممثلي هيئآت حكومية ومراكزَ ومنظماتٍ دوليّة، ومفتين، وعلماء، وقضاةٍ، ومفكرينَ، وأكاديميّين، وإعلاميين، وغيرِهم. فضلاً عما حظي به الملتقى من متابعة الآلاف لجلساته وأعماله عبر المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وقد افتتح الملتقى بكلمة ضافية لفخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ثمن فيها موضوع الملتقى، مبينا أن التعليم العتيق يعني الكثير للموريتانيين، " فهنا نشأ، ومنذ قرون، نظام تعليمي عتيق، فريد في خصائصه التنظيمية، وأساليبه المنهجية، جسدته المحاظر الشنقيطية". وذكر رئيس الجمهورية أن هيئات "هذا التعليم في القارة الافريقية، يجمعها، على تنوع مسمياتها وصيغها التنظيمية، بذل العلم للجميع، في إطار من مطلق المساواة، مهما اختلفت الأعراق، وتباينت الهويات الحضارية. كما يجمعها الحرص على مد جسور التلاقي بين المجتمعات، وتعزيز السلم الأهلي، والحرص على اللحمة الاجتماعية، بنشر قيم العدل، والمساواة، والتسامح والإخاء. ولا يرسخ هذه القيم في النفوس والمجتمعات كمثل التعليم العتيق".
كما ألقى معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيّه رئيس منتدى أبو ظبي للسلم كلمة تأطيرية في مفتتح الحفل، حدّد فيها موضوع المؤتمر:
"لقد اخترنا أن يكون عنوان لقاء هذا العام "التعليم العتيق: العلم والسلم"، إبرازاً لما قامت به مراكز ومدارس التعليم العتيق على مرّ العصور من دور في نشر العلم والمعرفة في القارة، وما أسهمت به من جهد في استتباب السلم المجتمعي، والتألف بين مختلف شرائح المجتمعات المحلية، وتدارس كيفية استدامة جهود العلم والسلم في الحاضر والمستقبل ". مؤكدا أن ملتقى هذا العام "محطة جديدة على دروب السلام، التي سلكها المؤتمر الإفريقي في بحثه الدائم عن أسباب الوئام والأمن، والعافية والسكينة".
وقد شهد المؤتمر تسليم جائزة السلم في إفريقيا لهذا العام لفخامة الرئيس أداما بارو، رئيس جمهورية غامبيا، تكريماً لجهود فخامته وجمهورية غامبيا المشهود في نشر السلم الإقليمي والدولي والنجاح الذي حققه في ترسيخ قيم التعايش السعيد داخل المجتمع بمختلف أعراقه.
وبعد انتهاء الجلسة الافتتاحية باشر المؤتمرون في جلساتهم العامة ووُرشِهم معالجة جوانب تبحث سبُل تحقيق الشعار الذي رفعه المؤتمر الإفريقي لهذا العام: العلْمُ والسلْمُ. ومن بين المحاور الكبرى التي تم التركيز عليها ما يلي:
• التعليم العتيق في إفريقيا جذور المعرفة وجسور التواصل؛
• التعليم العتيق وتعزيز السلم: "الرسالة والمناهج في مواجهة التطرف"؛
• التعليم العتيق في السياق المعاصر: تحديات وفرص؛
• التعليم العتيق والتعليم الحديث نحو التعاون والتكامل؛
• دور المؤسسات التعليمية في تعزيز السلم.
كما أقيمت على هامش الملتقى قمة " المرأة والشباب: التعليم العتيق المرأة والشباب، التكوين والتحصين".
وبعد تبادل وجهات النظر في القضايا المدروسة، قد خلص المشاركون في الملتقى الرابع للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم إلى ما يلي:
أولاً- النتائج:
1- بيان خصوصة هذا المؤتمر وأهمية موضوعه ونوعية المشاركين فيه والظرفية الزمنية العصيبة التي انعقد فيها والتي تشهد وضعا إقليميا ودوليا شديد اذلاضطراب مما يرفع مستوى التحديات التي تواجه ساكنة القارة بشكل خاص والبشرية بشكل عام.
2- تجلي راهنية موضوع المؤتمر في ارتفاع وتيرة التحديات التي تفرض نفسها على العالم عموما وعلى القارة الإفريقية خصوصا في عصر افردانية والمؤسساتية والدولة الوطنية والعولمة عصر الحريات الفردية وذاك في سياق كلي الزمان الذي بات يشهد اختلال المرجعيات وضمور الهوية الدينية وامتزاج الأمم والثقافات وفشو ثقافة العنف وقيم الفوضى لتجد المدارس العتيقة نفسها أمام تحديات كبيرة تحديات وجودية تهدد استدامتها الفعلية بمساءلة وظائفها المجتمعية والتقليل من جدوى مناهجها التربوية.
3- بيان الحاجة الحاقة إلى فتح آفاق تعاون جديدة وحوار نافع بين صناع القرار والقادة الدينيين والنخب المجتمعية المختلفة والشركاء المحليين والإقليميين والدوليين من أجل البحث عن أفضل السب التي يمكن من خلالها للتعليم العتيق أن يستعيد دوره كاملا وفاعلا في تعزيز السلام وروح الوئام وتقوية مناعة الشباب ضد الأفكار المتطرفة والتيارات المأزومة الهدامة .
4- التأكيد على حاجة المجتمعات الإفريقية إلى دراسات وصفية تشخيصية لوضعية التعليم العتيق ضمن سياقاتها الحضارية والزمانية والمكانية المتنوعة، وذلك لرصد عناصر القوة التي يجب تعزيزها وكشف مواطن الاختلال التي يجب العمل على إعادة إصلاحها وتجديدها، من خلال استراتيجيات جديدة تمزج بين الروح الأصيلة والآليات الحديثة على المستوى البشري والمادي والتقني.
5- بيان أن الفرص لا تزال قائمة لاستعادة التعليم العتيق وحضوره الإيجابي ومكانته البناءة في صلاح الإنسان والأوطان، وهو ما يلزم معه تجديد الرؤية التي يقوم عليها، وفق الشروط الدينية والحضارية والتاريخية وىالخصوصيات المحلية والإقليمية القارية، والامتدادات الجغرافية والروحية الإسلامية.
6- إيضاح الحاجة إلى وضع خطة منهجية واقعية وواعية لتطوير مناهج التعليم العتيق انطلاقا مما راكمه من تجارب إيجابية بما يؤهل مخرجاته لتلبية حاجيات سوق العمل وبما يدعم قدراته وقوته وتماسكه في إعادة بناء حصون السلم في النفوس وإعداد العقول لأداء الدور الإيجابي في الاستقرار والازدهار والابتكار.
7- إثبات حاجة التعليم العصري في الجامعات الإسلامية إلى الاستمداد من التعليم العتيق لتجويد مخرجاته العلمية، وبالمقابل حاجة التعليم العتيق إلى الخروج من دائرة التقوقع والمساهمة الإيجابية في واجب المدافعة الدينية والفكرية واللإنسانية لصد موجات التطرف والغلو والإلحاد والانحراف عن الفطرة السوية وذلك في موتاجهة كلما يخل بالنظان العام المحلي.
8- استلهام التجارب التناريخية التي تجلي أن التعليم تالعتيق قد أسهم في صناعة المرجعيات الدينية، وفي بناء خطاب ديني معتدل يقيم الميزان والموازنة والتوازن بين الثوابت والمتغيرات، حيث أمد المجتمعات المسلمة بالوعي الديني المعتدل وبالمرجعيات المأذونة شرعا والمأمونة فكرا ومنهجا.
9- استحضار التجربة التاريخية التي بينت أن مؤسسات التعليم العتيق تمتعت بقدرتها على حماية الوحدة الاجتماعية، والنسيج الوطني للمجتمعات التي نشأت فيها، وأنها ظلت قادرة على رعاية الحوارات الوطنية والمجتمعية، مما يؤكد قدرتها على أن تكون جزء لا يتجزأ من بنية الدولة الوطنية المعاصرة للقيام بنفس الدور التاريخي، انطلاقا من القيم الإسلامية السمحة.
10- التأكيد على ضرورة أن تكون مناهج التعليم العتيق قادرة على تكوين الملكة النقدية والتفكير الإبداعي لدى منتسبيه، في امتزاج تام بين الأصالة والمعاصرة، وتأهيل كوادر التعليم العتيق ومنتسبيه في جانب التكنوجية والإبداع الرقمي والمبادرة التقنية، ليكونوا قادرين على القيام بدورهم واستعادة مكانتهم ضمن أنماط التعليم الراهن الذي توفره الدولة الوطنية.
ثانيا – التوصيات:
وقد خلص المشاركون في الملتقى الرابع للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم إلى جملة من المقترحات والتوصيات:
1. التعريف بالتجارب التعليمية الإيجابية والناجحة في مؤسسات التعليم العتيق على مستوى قارة إفريقيا باعتبارها محاضن للعلم وحواضن للسلم؛
2. تشجيع إنشاء الأوقاف الأهلية والحكومية لدعم الطلبة والعلماء، ولتوفير موارد مالية تساهم في استدامة مؤسسات التعليم العتيق في القارة.
3. الدعوة إلى تعزيز الترابط بين التعليم العتيق والتعليم الحكومي في افريقيا، من حيث اعتماد منهاجها، واعتبار مخرجاتها، وتطويرها والارتقاء بها، كونها رافداً علمياً مهماً.
4. العمل على توفير فرص عمل لخريجي التعليم العتيق، لتوثيق الصلة به، وتأكيد الثقة فيه، وحرصا على استدامته، مع التطوير والتأهيل لخريجيه بما يناسب سوق العمل، بالتعاون مع الجهات المختصة.
5. التوصية بتطوير مخرجات التعليم العتيق من خلال تقديم المنح البحثية الدراسية في جامعات كبرى، لتطوير مهاراة الطلبة والارتقاء بوعيهم واستثمار معارفهم استثمارا يتناسب مع عصرهم.
6. العمل على مشاريع لتوثيق بصري وسمعي ومكتوب لمؤسسات التعليم العتيق، بحيث يحصل بمجموعها ببليوغرافيا التعليم العتيق، تضم في طياتها: المناهج والمقررات، البرنامج التدريسي اليومي، سير الأساتذة والمدرسين في الماضي والحاضر، وجانب البناء العمراني.
7. التوصية بتعزيز الشراكات والاتفاقيات مع المؤسسات التعليمية الدولية والمنظمات المانحة للوصول إلى الموارد والخبرات والدعم للمبادرات التعليمية العتيقة في القارة.
8. التوصية بإنشاء منصة رقمية لتوفير المصادر التعليمية وتقديم الخدمات الاستشارية لمؤسسات التعليم العتيق.
9. إنشاء جائزة لاختيار أفضل مدارس التعليم العتيقة في القارة، ووضع معايير تسهم في تحسين وتحديث منظومتها الإدارية والمالية.
10. توسيع التعاون وتبادل الخبرات بين مؤسسات التعليم العتيق وتشجيع تبادل الطلاب بينها مما من شأنه تقوية أواصر الأخوة وبناء جسور التعارف.
11. التنسيق مع الجامعات المرموقة في القارة للقيام بسلسلة من الندوات والورش الأكاديمية لتعميق البحث العلمي في مفاهيم السلام والتعايش بين مختلف مكونات المجتمع، واستمداد بعض طرائقها من التعليم العتيق.
12. العمل على تطوير وتحديث مناهج التعليم العتيق وتزويدها بالمعارف والمفاهيم والرواية الصحيحة بما يتناسب وخصوصيات الأجيال الناشئة واستثمار التطبيقات المعلوماتية لتسهيل الفهم وتسريع وتيرة التعليم.
13. الاستفادة من الدراسات التي قامت بها المنظمات الدولية والإقليمية ذات الاختصاص في مجالات التربية والتعليم والثقافة من أجل التعليم العتيق.
14. تعزيز الشراكات والتعاون، وتنسيق الجهود بين الهيئات والمنظمات العاملة في مجال التعليم وصناعة السلم في القارة.
15. تمكين أساتذة التعليم العتيق من المعرفة والمهارات اللازمة من خلال إنشاء مراكز تكوين تراعي خصوصيات التعليم العتيق في اطار من التقنيات الحديثة في مجالات المعرفة والتعليم.
16. تعزيز وتفعيل دور الشباب والنساء في بناء السلم المحلي، وتطوير التعليم العتيق والإسهام في رسم السياسات وبناء الشراكات لتعزيز استقرار المجتمعات وحفظ السلم فيها.
ويطيب للمشاركين في الملتقى الرابع لـ" المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم" أن يعبروا عن صادق شكرهم وجزيل عرفانهم لحكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية على رعايتها الكريمة، ويرفعوا عبارات امتنانهم إلى فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على كريم العناية وجميل الرعاية التي حظي بها ضيوف هذا المؤتمر،
كما يشكرون دولة الإمارات العربية المتحدة على دعمها المستمر ورعايتها الكريمة لمبادرات وجهود السلم في إفريقيا والعالم أجمع.
ويتوجهون بعظيم الامتنان إلى القائمين على المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم على جهودهم المتميزة في إنجاح أعمال هذا المؤتمر.
داعين الله أن يحفظ الأوطان، وينشر الأمن والأمان، ويصلح الأعمال، ويحقق الآمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وحرّر بنواكشوط في 29 جمادى الآخرة 1445 هـ الموافق لـ 11 يناير 2024م
لجنة البيان الختامي.