
الورقة التصورية
بسم الله الرحمن الرحيم
الورقة التصورية للقاء التشاوري لعلماء الساحل والسودان
تحت عنوان: ﴿وأصلحوا ذات بينكم﴾
نواكشوط يومي 19-20 يونيو 2023م
الإطار العام:
المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم إحدى المبادرات المشتركة بين الحكومة الموريتانية ومنتدى أبوظبي للسلم، وهو أول مؤتمر إفريقي رفيع المستوى يجمع مسؤولي الدول والعلماء والشباب على طاولة واحدة للبحث في قضايا القارة من منظور رؤية السلام.
ومنذ انطلاقته الأولى، في يناير 2020م، تحت الرعاية السامية لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، رسّخ المؤتمر الإفريقي مكانته باعتباره أحد أهم الفعاليات البارزة على مستوى القارة، في محاربة الخطاب المتطرف والراديكالي المنتحل للشرعية الدينية، ومثابة لمحبي الخير وصانعي السلام، لطرح قضايا القارة من منظور السلام والدعوة إلى رؤية قائمة على مفاهيم الحوار والمصالحة، والوساطة وبناء السلام، ومكافحة الخطاب المتطرف، والهجرة غير الشرعية، وتعليم الفتيات، وتجديد التعليم الديني، والنضال ضد التمييز وعدم المساواة وحماية الموارد الأفريقية، إلخ...
وقد عرفت النسخ الثلاث من المؤتمر نجاحًا باهرًا، يعود الفضل فيه على وجه الخصوص إلى المشاركة النوعية لنخبة من زعماء القارة في ضيافة صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية: أصحاب الفخامة محمد بازوم رئيس النيجر، محمد بخاري رئيس نيجيريا، بول كاغامى رئيس رواندا، عمر سيسغو رئيس غينيا بيساو.
كما تعزز المؤتمر بانخراط نخبة من صناع القرار والمسؤولين الحكوميين وكبار المسؤولين الدوليين والعلماء البارزين والقادة الشباب الفاعلين، فضلا عن الأكاديميين والمفكرين وممثلي المجتمع المدني.
كما غدا "إعلان نواكشوط" التاريخي، المنبثق عن النسخة الأولى من المؤتمر، إحدى الوثائق المرجعية لـ "الرؤية الأفريقية للسلام"، منذ القمة الثالثة والثلاثين لرؤساء دول الاتحاد الإفريقي المنعقدة في أديس أبابا في فبراير 2020.
يسعى المؤتمر الإفريقي إلى تأصيل السلم ومبدأ الحوار والمصالحات وصناعة نموذج إفريقي في الرد على خطاب العنف والإرهاب الذي يستخدم الدين لأغراضه المدمرة، نموذج يمتاح من ثراء تراثنا الثقافي وتعدد روافدنا الحضارية وتنوع نظمنا الاجتماعية.
السياق:
لقد أصبحت منطقة الساحل والصحراء، منذ عقدين من الزمن، ميدانا لشتى أنماط العنف والاحتراب الأهلي؛ حيث دبَّ إليها داء الغلو والتطرف واستشرى فيها مرض الإرهاب، وهكذا أصبحت المنطقة التي طالما كانت نموذجاً للتعايش السعيد بين الأعراق والأديان مسرحا لانتهاكات حقوق الإنسان والمذابح العرقية والإرهاب والعنف المتبادل وهي اليوم أكثر مناطق العالم اشتعالا، ففيها لوحدها نصف ضحايا العنف والإرهاب في العالم بأسره.
لقد استمرأ الناس الحروب وكادوا يألفون هذا الوضع المأساوي حتى صار معتادا لا يستنكر ولا يستبشع، فغدا استرخاص النفس البشرية المعصومة وإهدار طاقات الدول الوطنية، السمة الأظهر والعنوان الأبرز لواقع هذه المنطقة.
ما إن تؤذن بؤرة بالخمود والهدوء حتى يشبّ أُوار أخرى ويضطرم لهيبها، بالأمس كانت مالي وقبلها النيجر ونيجيريا واليوم نحن أمام فتنة أهلية لا رأس لها ولا ذنب في السودان، قتلى ومهجرين، وهدم وحرق، لا صوت يعلو فوق صوت السلاح، غاب العقل وغُيبت الفضيلة.
يوما بعد يوم يتسع الخرق على الراقع، ويمتد نطاق الصراع في الزمان والمكان، ويزداد تعقيدا واشتباكا، آخذا منحى الحرب الأهلية وملقيا بحممه إلى بلدان الجوار.
أمام هذه الأزمة المزدوجة في بعدها البنيوي المستمر منذ عقود، وبعدها الظرفي المستعجل في السودان، يستنهض العقلاء والحكماء للتدخل بأسرع الوسائل وأنجعها، لإيجاد سبيل لوقف هذا النزيف الدموي الرهيب، فالتكلفة البشرية والإنسانية لما يقع كل يوم لا يجوز معها بحال أن يقف أي عاقل متفرجا، فكيف بمن أخذ الله عليهم ميثاق البيان من العلماء والمرجعيات الدينية، ومن وكل إليهم أمور العباد من أولي الأمر والزعماء.
الهدف من اللقاء:
وفي هذا النطاق، وإدراكا لحقيقة أنه لا قوة في العالم قادرة على فرض السلم على أي مجتمع من المجتمعات إلا إذا تلمَّس المجتمعُ نفسُه طريقه إلى السلم باقتناع ذاتي من أبنائه ومبادرة جدية من نخبه وحكمائه وعقلائه، فإن المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، وهو منصة الشراكة المثمرة والحوار النافع، بين صناع القرار والقادة الدينيين والنخب المجتمعية المختلفة، يتطلع للإسهام انطلاقا من دوائر اهتمامه وتأثيره إلى جانب سائر شركائه من الفاعلين المحليين والدوليين، في إنشاء إطار شامل للسلام في السودان واستعادة السكينة والعافية في المنطقة جمعاء.
واستلهاما لما ورد في خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في افتتاح للملتقى الثالث من التأكيد على أهمية البعد الشمولي للمسألة الأمنية، والدعوة إلى رصّ الصفوف والتصدي للعنف وأنّ "الدفاع عن السلام لا يكون ناجعا وفعالا إلا بتحصين عقول الأفراد ووجدان المؤتمرات، وترسيخ ثقافة أولوية السلم من حيث هو شرط أساس في إمكان التطوّر والازدهار".
وانطلاقا من ما جاء في إعلان نواكشوط الصادر عن ملتقاه الأول سنة 2020، والذي دعا إلى ضرورة "تشجيع أساليب الوساطات والتّحكيم وتفعيل أدوات الصلح، وإنشاء هيئات وأجهزة ووزارات للمصالحة والسلم في الدول"، يدعو المؤتمر الإفريقي نخبة من صناع القرار ومن العلماء الربانيين والقادة الدينيين وزعماء المجتمع من السودان وسائر دول الساحل، للقاء في نواكشوط يومي 19-20 يونيو 2023م تحت شعار قوله تعالى: "وأصلحوا ذات بينكم"، من أجل التباحث للخروج بمبادرة نرجو أن تكون مما يبتغى به وجه الله والدار الآخرة - يتشوف أصحابها إلى أن يكونوا من أولي بقية ينهون عن الفساد في الأرض، لا تحيزا لفئة أو انتصارا لطرف، بل إشفاقا ونصحا للجميع.
تندرج هذه المبادرة ضمن مبدأ "السلام أوّلا"، والإيمان الراسخ بأن السلم هو البيئة الضامنة لكل الحقوق فلا حقوق بدون سلام وفقدان السلم هو فقدان لكل الحقوق، بما فيها الحق في الوجود، فالسلام هو الحقُّ الأول والمقصد الأسمى والهدف الأنبل. وإن حسن النية واعتقاد كل صاحب حق يدعيه أو صاحب دعوى يحاول إثباتها، كل ذلك لا يسوغ التوسل إلى الهدف مهما كان نبيلا، بالاحتراب ونشر البغضاء والشحناء وسفك الدماء وانتهاك حرمات الله.
المخرجات:
ترتكز مبادرة المؤتمر الإفريقي للصلح واستعادة السكينة في السودان حول ثلاثة مخرجات متكاملة:
- أولا : إصدار نداء للسلام، يذكر بمبادئ ديننا المحكمة في تعظيم شأن النفس البشرية وحرمة الاقتتال والاحتراب، ووجوب تقديم المصالح العليا للإنسان والأوطان، واعتماد الحوار والتوافق منهجا وحيدا لتحقيق التنمية الشاملة ونشر السكينة والوئام، فتنازع البقاء يؤدي إلى الفناء والحرب الأهلية لا غالب فيها بل الجميع مغلوب، فلعلّ الله أن ينفع بهذا النداء ويفتح به القلوب ويعطف عليه الأنفس، "وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين".
- ثانيا: وضع ملامح وساطة يقودها نخبة من العلماء وقادة المجتمع برعاية من المنظمات الدولية والحكومات الوطنية، تنزل إلى الميدان لتسهم من موقعها الأخلاقي والديني والرمزي في دعم المساعي الحميدة التي تضطلع بها الجهات الدولية، لإسكات البنادق وبناء الثقة واستعادة السكينة.
- ثالثا: تشكيل القافلة الإفريقية للسلام التي يوكل إليها مهمة التواصل مع صناع القرار والعلماء والنخب الثقافية والشبابية في مختلف دول الساحل لتوصيل رسالة المؤتمر الإفريقي والبحث معهم عن الحلول الناجعة انطلاقا من واقعهم واعتمادا على خبراتهم.
الشركاء:
- الحكومة الموريتانية.
- المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم.
- منظمة التعاون الإسلامي.
- منظمة الأمم المتحدة.
- الاتحاد الإفريقي.
- الاتحاد الأوروبي.
- جامعة الدول العربية.