
الورقة التصورية
الملتقى الدولي الخامس للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم
تحت عنوان:"القارة الإفريقية: واجب الحوار وراهنية المصالحات"
نواكشوط؛ 08-09-10 يناير2025
الورقة التصورية
تحت الرعاية السامية لفخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وبدعم كريم من دولة الإمارات العربية المتحدة، ينظم المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم ملتقاه الخامس بالعاصمة الموريتانية نواكشوط تحت عنوان: " القارة الإفريقية: واجب الحوار وراهنية المصالحات" وذلك أيام 8- 9- 10 يناير 2025.
الإطار العام
لم يزل المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم - وهو مبادرة مشتركة بين الحكومة الموريتانية ومنتدى أبوظبي للسلم- يحرص -منذ انطلاقته الأولى، في يناير 2020م- على ترسيخ مكانته باعتباره مثابة لمحبي الخير وصانعي السلام، ومنصة لطرح قضايا القارة من منظور يَمْتَاحُ من ثراء تراثها الثقافي وتعدد روافدها الحضارية وتنوع نظمها الاجتماعية.
ويرتكز المؤتمر الإفريقي في رؤيته للسلام على مِحورية المَدخل القِيميّ في تجديد الخطاب الديني واستعادة بعده الإنساني، واستثمار ما تتيحه النصوص الشرعية القطعية والمقاصد الكلية، من الأرضية الروحية الصلبة لإطلاق مبادرات ميدانية تعيد للدين طاقته الإيجابية، ليغدُوَ بلسما لجراح الإنسانية ودواء لمآسيها وسكينة تنزل على القلوب وحُبّا يَعْمُرُ النُّفوس.
لقد سعى المؤتمر الإفريقي في ملتقياته السابقة إلى التَّبشير بدعوة السلام من خلال الكشف عن نصوصه المنسية وقيمه الضامرة، وبالمرافعة عن قضيته العادلة أمام قضاء الشَّرع وهو الحَكم الذي لا يُعزل، وبشاهد العقل والتجربة الإنسانية وهو الشّاهد المُعَدَّل، بدءا من الملتقى الأول في يناير 2020، الذي ارتكز على "دور الإسلام في إفريقيا: التسامح والاعتدال ضد التطرف والاقتتال"، مرورًا بالملتقى الثاني في فبراير 2022 بعنوان "بذل السلام للعالم"، ثم الملتقى الثالث في يناير 2023 تحت شعار "ادخلوا في السلم كافة". ووصولا إلى الملتقى الرابع في يناير 2024 المنعقد بعنوان "التعليم العتيق في إفريقيا: العلم والسلم".
وقد عرفت هذه النسخ الأربعة من المؤتمر نجاحًا باهرًا، يعود الفضل فيه بعد توفيق الله سبحانه وتعالى إلى المشاركة النوعية لنخبة من زعماء القارة: أصحاب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ورئيس النيجر، ورئيس نيجيريا، ورئيس رواندا، ورئيس غينيا بيساو ورئيس غامبيا.
كما غدا "إعلان نواكشوط" التاريخي، المنبثق عن النسخة الأولى من المؤتمر، إحدى الوثائق المرجعية لـ "الرؤية الإفريقية للسلام"، منذ القمة الثالثة والثلاثين لرؤساء دول الاتحاد الإفريقي المنعقدة في أديس أبابا في فبراير 2020، ونال الكثير من الإشادة والتنويه، على المستويين الإقليمي والدّولي، مما بَرْهن على وجاهة مبادرة السلم وراهنية موضوعه.
هذه المحطات المتميزة شكلت معالم بارزة في مسيرة المؤتمر نحو السلم في إفريقيا، وعكست جهودا مثمرة في استشراف مستقبل الاستقرار والازدهار للقارة.
كما أطلق المؤتمر بالتوازي مع ملتقياته السَّنَويّة سلسلة لقاءات تشاورية تبتغي التأكيد على منطق المصالحات بوصفه روح السلام والمبدأ الأساسي لتنزيله في البيئات المحتدمة كمنطقة الساحل والسودان، حيث رفع المؤتمر شعار "وأصلحوا ذات بينكم"، إيمانا بأن المواءمات والملاءمات والحلول التوافقية والتسويات الوسطية والتنازلات المتبادلة والحوار هي أمور من صميم روح الشرع ومنطق العيش المشترك.
السياق
تأتي الدعوة لعقد الملتقى الخامس في سياقات إفريقية متواشجة تثير الأسى وتبعث الأمل وتؤكد وتجدد العزم.
فما تزال بعض مناطق القارة ميدانا لشتى أنماط العنف والاحتراب الأهلي، ومسرحا لانتهاكات كرامة الإنسان وحرمة الأوطان، منهكة بأدواء الغلو والتطرف، غارقة في أوحال الفقر والتخلف، ترمي بأفلاذ كبدها في نزيف الهجرة نحو المجهول، ومنها وحدها نصف ضحايا العنف والإرهاب في العالم بأسره، حتى كاد الناس يستمرئون هذا الوضع المأساوي ويصير معتادا لا يستنكر ومألوفا لا يستبشع.
تتصرم الأيام سراعا ويتسع الخرق في كل حين على الراقع ويمتد نطاق الفتن في الزمان والمكان ويزداد تعقيدا واشتباكا حتى كاد اللبيب يفقد صوابه والشفيق أمله لولا حسن الرجاء في الله والثقة بالحكماء والعلماء ومحبي الخير والسلام الذين يتعين عليهم المبادرة لإطفاء الحريق وإنقاذ الغريق وأن لا يستسلموا للشعور الانهزامي الذي قد يدعو إليه المشهد القاتم فلا بديل عن السلام إلا الفناء فالسلام أولا والسلام آخرا.
ولقد تجددت الآمال وقوي الرجاء في سياق تولي راعي المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم فخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية رئاسةَ الاتحاد الإفريقي، بما يضمن لرؤية السلام وروايته مزيدا من الحضور والتأثير الإيجابي في المحافل الدولية ومؤسسات صناعة القرار الإفريقية.
الهدف
يأتي اختيار "الحوار والمصالحات" موضوعا للملتقى الخامس انسجاما مع توصيات إعلان نواكشوط التاريخي 2020 الذي وردت فيه الدعوة إلى:
- اعتماد آلية الحوار واعتباره الوسيلة المُثلى في تسوية النزاعات وحل المشاكل.
- تشجيع أساليب الوساطات والتحكيم وتفعيل أدوات الصلح، وإنشاء هيئات وأجهزة ووزارات للمصالحة والسلم في الدول.
ومن هذا المنطلق يهدف المؤتمر الإفريقي في ملتقاه الخامس إلى لفت الانتباه نحو إحدى أهم وسائل السلم وهي ثقافة الحوار والمصالحات، حيث إن كثيرا مما تعاني منه القارة الإفريقية مما وصف آنفا يرجع إلى ضمور ثقافة الحوار التي توجد الاستعداد الفكري والنفسي لدى الجميع للاستماع وتبادل الرأي دون عنت ولا حرج.
للخروج من هذا الوضع يتحتم على الجميع العمل على إشاعة قبول الآخر وتعزيز مهارات الحوار التي تتيح الاعتراف المتبادل والتواصل وتبني أسسا متينة من التفاهم والتعاون.
فالحوار واجب ديني وضرورة إنسانية وإرث إفريقي، وبه يتحقق التعارف والتعريف، وبه تقدم البدائل عن العنف ويدرأ الحسم العنيف.
الحوار قيمة والحوار وسيلة مطلوبة في كل الظروف وعلى مختلف المستويات، إنه ضرورة قبل الفتن والحروب لتجنبها، وأثناء الحرب لإيقافها، وبعد الحرب للتخفيف من آثارها وضمان عدم عودتها.
فبالحوار يُبحث عن المشترك وعن الحل الوسط الذي يضمن مصالح الطرفين، وعن الملاءمات والمواءمات، التي هي من طبيعة الوجود، ولهذا أقرها الإسلام، وأتاح الحلول التوفيقية التي تراعي السياقات، وفق موازين المصالح والمفاسد المعتبرة.
والحوار يدخل في قوله تعالى: ﴿ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾ وفي قوله تعالى: ﴿وجادلهم بالتي هي أحسن﴾إن هذه الآيات لم تفتح باب الحوار على مصراعيه فحسب، بل أوجبت ولوجه، وجعلته مسئولية ملقاة على المسلمين في كل عصر ومكان، لأن رسالتهم رسالة السلام والخير تقوم على الانفتاح على الغير والتفاعل معه.
إن اعتماد وسيلة الحوار لحل المشكلات القائمة يوصل إلى إدراك أن الكثير منها وهمي لا تنبني عليه مصالح حقيقية، وبهذه الحلول التوفيقية التي يثمرها الحوار، تفقد كثير من القطائع والمفاصلات والأسئلة الحدّية مغزاها.
إن أهم نقطة يهدف هذا الملتقى إلى إبرازها هي الدعوة إلى إعادة الفاعلية لمبدإ الحوار والمصالحة انطلاقا من القناعة بأن المقاربات الأحادية غير مجدية وأنه آن الأوان لنستعيد التراث الإفريقي الأصيل في التسامح وفي حل النزاعات بالحوار والوساطات والمصالحات.
إن جلسات الحكمة تحت ظلّ شجر الدّوم (الباوْباب) الإفريقية، لتدبير الاختلاف جسّدت بحقّ نموذجا حضاريا ناجحا لتحكيم العقل ومنطق المصلحة والأخوة على منطق المغالبة والقوة.
هذا الإرث الإفريقي تفعيل ثقافي ملموس لمبدإ الصلح الإسلامي الذي وضع له الإسلام فقها كاملا ومتكاملا لحلّ النزاعات بالوسائل السلمية العاقلة، تتمثل مفرداته في "كتاب الصلح" وهو باب عظيم في كل كتب الفقه الإسلامي.
فبالصلح والمصالحات تحقن الدماء وتستقر الأوطان وتستأنف الدول مشروعها الحضاري، ولذلك أمر الله تعالى بالصلح ودعا إليه ﴿لَا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۢ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا﴾ وهو أمر عام في الدماء والأموال والأعراض وفي كل النزاعات والخلافات والحروب الدولية والفتن الداخلية.
كما يروم الملتقى تكوين القادة الدينيين والفاعلين الاجتماعيين والنشطاء على الحوار والتواصل الإيجابي، بوصفه الوسيلة المُثلى في تسوية النزاعات وحل المشاكل.
بطرحه لهذا الموضوع المهم، يسعى المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، وهو منصة الشراكة المثمرة والحوار النافع، بين صناع القرار والقادة الدينيين والنخب المجتمعية المختلفة، إلى الإسهام- انطلاقا من دوائر اهتمامه وتأثيره إلى جانب سائر شركائه من المنظمات الإقليمية والدولية- في خلق مزيد من الآليات للتبادل الثقافي والحوار المثمر والفعال بين مختلف الفعاليات الإفريقية وفتح وسائل الإعلام لنشر الحوارات وتعميمها في الجامعات والمراكز البحثية والفكرية.
المحــــاور
انسجاما مع تلكم الغايات والمعاني، سيتدارس العلماء والمفكرون والباحثون بحول الله تعالى المحاور التالية:
المحور الأول: الوضع الراهن في إفريقيا والحاجة إلى ثقافة الحوار.
إن إدراك الواقع إدراكا علميا يسهم إلى حد كبير في الوعي بما يفرضه علينا من تحديات وإكراهات وصعوبات، كما يسمح لنا باستكشاف ما يختزنه من طاقات وفرص وإمكانات.
ومن ثم فقد خصص هذا المحور لدراسة وصفية شاملة لبؤر الأزمات والتوتر في القارة؛ حتى تتضح الصورة ويستوي الجميع في إدراك الحاجة إلى ثقافة الحوار والمصالحة وروح التسامح.
المحور الثاني: الحوار والمصالحات: واجب ديني وقيم أخلاقية.
يسعى هذا المحور إلى الكشف عن الأصول الشرعية من نصوص ومقاصد لثقافة الحوار وواجب المصالحات،
المحور الثالث: الحوار والمصالحات إرث حضاري ونماذج ملهمة.
يهدف هذا المحور إلى استثارة التراث الثقافي الإفريقي لاستلهام النماذج المضيئة في مجال قيم السلم وثقافة الحوار والمصالحات، وفض النزاعات بطرق سلمية، كما جسّدته جلسات الحكمة تحت ظل شجرة الباوباب الإفريقية لتدبير الاختلاف بن المزارعين والرّعاة.
ويستنطق التراث الروحي الإفريقي وما للقيادات الدينية من دور في تهدئة النفوس ونزع فتيل النزاعات وزرع بذور الأخوة بين الناس ونشر الرواية السمحة لديننا الحنيف، إذ إن وظيفة علماء المسلمين من أقدم التاريخ هي المحافظة على أمانة النصوص المقدسة وصفائها، وصحة تأويلها والصدق في ممارستها.
المحور الرابع: مقاربات فكرية ومبادرات ميدانية
لقد نهجت حكومات الدول الإفريقية في السنوات الأخيرة مقاربات واستراتيجيات متعددة، وقد تفاوتت تلك المقاربات في النجاعة، وحظي بعضها بنجاح كبير أشادت به المنظمات الدولية وأصبح مثالا ونموذجا يحتذى.
ولذلك سيكون هذا المحور فرصة مناسبة لعرض بعض هذه النحديات والمقاربات والاستراتيجيات المختلفة، وتبادل الأفكار والخبرات بين العلماء والباحثين من الدول المشاركة حولها.
كما سيعنى هذا المحور بإبراز بعض النماذج الإفريقية في المصالحات الوطنية ، التي أسهمت في إرساء الوئام، وطي صفحات النزاع داخل القارة، وكذلك الجهود الأممية والدولية في المصالحات والوسطات داخل إفريقيا.
قمة الشباب والمرأة: الحوار والمصالحات: التربية والتكوين.
بعد نجاح النسختين الأوليين لقمة الشباب والمرأة تحت الرعاية السامية للسيدة الأولى الدكتورة مريم محمد فاضل الداه، تأتي هذه النسخة الثالثة لتشكل فرصة ثمينة للقيادات النسوية والشبابية الإفريقية للجلوس على طاولة النقاش البناء والمثمر لمناقشة دور هذه الفئات الأساسية في تهذيب السلوكيات وتقويم التصرفات وبناء ثقافة الحوار في مختلف المراحل العمرية، وما يتطلبه تعليم وتربية الناشئة من رعاية وعناية وحماية في بيئات تكفل لهم التنشئة القويمة، وتحفظ لهم الكرامة وتصون الحقوق.