
الورقة التصورية
الملتقى الدولي الرابع للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم
تحت عنوان:" التعليم العتيق في إفريقيا: السِّلْم والعِلْم"
نواكشوط؛ 9-10-11 يناير2024
الورقة التصورية
تحت الرعاية السامية لفخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وبدعم كريم من دولة الإمارات العربية المتحدة، ينظم المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم ملتقاه الرابع بالعاصمة الموريتانية نواكشوط تحت عنوان: " التعليم العتيق في إفريقيا: العِلْم والسِّلْم" وذلك أيام 9-10-11 من يناير 2024.
السيـــاق
يأتي هذا الملتقى محطة جديدة على دروب السلم الأهلي، ومدّا لبساطه وتوسيعا لظِلّ شَجرته الوارفة، ذات الجذور الضاربة في أعماق القارة الإفريقية، واستثمارا لمخرجات ملتقيات ومؤتمرات نظمها المؤتمر الإفريقي ومنتدى أبوظبي للسلم برئاسة معالي الإمام العلامة الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، إيمانا بأولوية السلم وأوَّلِيَّته وأنه الضامن لكل الحقوق، والاستراتيجية السليمة والأكيدة لصناعة مستقبل سعيد يسوده الازدهار والوئام ومعاني الحياة الطيبة المطمئنة.
لقد سعى المؤتمر الإفريقي في ملتقياته السابقة إلى التَّبشير بدعوة السلام من خلال الكشف عن نصوصه المنسية وقيمه الضامرة، وبالمرافعة عن قضيته العادلة أمام قضاء الشَّرع وهو الحَكم الذي لا يُعزل، وبشاهد العقل والتجربة الإنسانية وهو الشّاهد المُعَدَّل، بدءا من المؤتمر الأول في يناير 2020، الذي ارتكز على "دور الإسلام في إفريقيا: التسامح والاعتدال ضد التطرف والاقتتال"، مرورًا بالمؤتمر الثاني في فبراير 2022 بعنوان "بذل السلام للعالم"، وصولاً إلى المؤتمر الثالث في يناير 2023 تحت شعار "ادخلوا في السلم كافة". هذه المحطات المتميزة شكلت معالم بارزة في مسار المؤتمر نحو السلم في إفريقيا، وعكست جهودا متواصلة في استشراف مستقبل الاستقرار والازدهار للقارة.
كما أطلق المؤتمر بالتوازي مع ملتقياته السَّنَويّة سلسلة لقاءات تشاورية تبتغي التأكيد على منطق المصالحات بوصفه روح السلام والمبدأ الأساسي لتنزيله في البيئات المحتدمة كمنطقة الساحل والسودان، هنالك رفع المؤتمر شعار "وأصلحوا ذات بينكم"، إيمانا بأن المواءمات والملائمات والحلول التوافقية والتسويات الوسطية والتنازلات المتبادلة والحوار هي أمور من صميم روح الشرع ومنطق العيش المشترك.
الهدف
انطلاقا من هذه الأسس يهدف المؤتمر الإفريقي في ملتقاه الرَّابع إلى إحداث نقلة جديدة في مسيرة السلام، وذلك بالتنزُّل إلى ميدان البحث في مُسَوّغات السلم ومعزّزاته، من خلال تناول أحد أهمّ مرتكزات مقاربة السلم وهو مرتكز التعليم والتربية، إذ التعليم هو الذي يشيّد منظومة التصورات الذهنية والقيمية التي تحكم النسق السلوكي والمعياري في حياة الفرد والمجتمع، ولذلك فهو أهم وسيلة لغرس ثقافة التسامح في النفوس وبناء قيم السلم والتصورات الإيجابية التي تضبط وتكبح جماح النفوس الميالة إلى العنف.
وفي هذا السّياق يتناول المؤتمر على وجه الخصوص التّعليم العتيق أو الأصلي المتمثل في ما أبعته التجربة التاريخية للمجتمعات الإفريقية من مؤسسات تعليمية أهلية، كانت دَوْما جذورا للمعرفة المؤصّلة وجسورا للتواصل والتعايش السعيد، وحصونا منيعة في وجه الغُلو والتطرف، ودعوات الفرقة والاختلاف، وحواضن لقيم السلم والأخوة، وروافد للهوية الإفريقية الإسلامية الأصيلة.
القرويون، الزيتونة، تمبكتو، الأزهر، المدارس العتيقة، المحاظر الشنقيطية، الخلاوي السودانية، الكتاتيب، دارا السنغالية، مجالس العلم، الزوايا، أسماء متعدّدة، وصيغ متنوعة، لحقيقة واحدة، حقيقة الفضاء المعرفي المفتوح والعطاء العلمي المبذول والمناهج التي تمحو الفوارق الطبقية وتستوعب التنوّع البَشري.
ويأتي هذا الاختيار انسجاما مع توصيات إعلان نواكشوط التاريخي 2020 الذي وردت فيه الدعوة إلى " حماية وإحياء دور المؤسسات التقليدية في مجتمعاتها (مثل المدارس المحلية، والزوايا)، وذلك بالنظر إلى أن هذه المؤسسات هي أثبت دعامة لحفظ النسيج الاجتماعي، والحفاظ على الهوية الدينية المحلية، وتقوية وشائج القرابة والجوار في المجتمعات الإفريقية".
إن التعليم الأصلي قصّة نجاح حضاري متجدّد لم يفتأ يُمِدُّ المُجتمعات المُسلمة بالمرجعيات المأذونة شرعا والمأمونة فكرا ومنهجا، وبالوعي الديني المعتدل والوسطي الذي يحميها من التطرف والغلو.
اليومَ وفي سياق كُلِّي الزمان المعاصر، عصر الفردانية، والمؤسساتية، والدولة الوطنية، والعولمة، عصر الحريات الفردية، واختلال المرجعيات، وضمور الهوية الدينية، وامتزاج الأمم والثقافات، وفشو ثقافة العنف وقيم الفوضى، تجد المدارس العتيقة نفسَها أمام تحديات كبيرة، تحديات وجودية تسائل وظائفها المجتمعية، وتمتحن نجاعة مناهجها التربوية، بل وتهدّد استدامتها الفعلية.
بطرحه لهذا الموضوع المهم، يسعى المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، وهو منصة الشراكة المثمرة والحوار النافع، بين صناع القرار والقادة الدينيين والنخب المجتمعية المختلفة، إلى الإسهام- انطلاقا من دوائر اهتمامه وتأثيره إلى جانب سائر شركائه من المنظمات الإقليمية والدولية- في استقصاء الطّرق التي يمكن من خلالها للتعليم العتيق أن يستعيد دوره كاملا وفاعلا في تعزيز السلام وروح الوئام وتقوية مناعة المجتمعات ضدّ الأفكار المتطرّفة، وكيفية إثراء هذه التجربة الأصيلة بما استجدّ من مقاربات تعليمية حديثة.
المحــــاور
انسجاما مع تلكم الغايات والمعاني، سيتدارس العلماء والمفكرون والباحثون بحول الله تعالى المحاور التالية:
المحور الأول: التعليم الأصلي في إفريقيا: جذور المعرفة وجسور التواصل.
عرفت القارة الإفريقية التعليم الأصلي مع دخول الإسلام إلى ربوعها، وظل الرافد الأهم لثقافتها الإسلامية والعربية، فانتشرت مدارسه في مختلف أصقاع القارة متسمّية بأسماء مختلفة، مع اتحاد في السمات الأساسية وتقارب في المناهج والأساليب، وبالرغم من اختلاف المجتمعات الإفريقية في الأعراق والعادات، فقد ظلت وشائج رحم العلم التي أنتجتها المدرسة العتيقة تشد بعضها ببعض، وتصل قاصيها بدانيها، من خلال التبادل العلمي المتمثل في رحلات الطلب وسلاسل الإجازات والأسانيد، والمطارحات الفكرية، وتجاذب النوازل الفقهية.
ومن ثم فقد خصص هذا المحور لدراسة تاريخية للنشأة الأولى للمدارس العتيقة في الفضاءات الإفريقية المختلفة، وكذلك لكشف بعض جوانب التواصل المعرفي وكيف أصبحت حلقة وصل بين الشعوب الإفريقية، ونبراس علم وسلم تعشو إليه.
كما يُعْنَى هذا المحور بالدراسة الوصفية التشخصية لوضعية التَّعْليم العتيق، مناهجه وخصائصه في مختلف البلدان.
المحور الثاني: التعليم العتيق وتعزيز السلم: "الرسالة والمناهج في مواجهة التطرف"
يُعنى هذا المحور الأساسي باستقراء بعض الجوانب البارزة لما اضطلع به التعليم العتيق من أدوار في تعزيز السلم، على مستويات مختلفة.
ففي الشقّ الأوّل من هذا المحور، نتناول دور المدارس العتيقة في مواجهة الفكر المتطرّف، وكيف استطاعَتْ بقوّة وتماسك مناهجها، وبفضل الفقه المتين في أحكام الدين وواقع المسلمين، أن تظل عصيّة على موجات الغلو والتطرف وحركات التكفير التي ضربت بأطنابها في كثير من المجتمعات والبيئات، وأن تظل الأمينة على رسالة الدين، تنفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
فما هي المقومات الذاتية التي أهّلت التعليم العتيق للقيام بهذا الواجب العظيم؟ ما هو دور المناهج في تحصين المجتمع ضد التطرف؟ كيف نعيد الفاعلية لهذا الدور؟ لماذا خريجو المدارس العتيقة أقلّ نزوعا إلى التطرّف وإلى الانضمام إلى الجماعات الإرهابية؟
وكيف اجتال الفكر المتطرف بعض أبناء هذه المدارس، فوقعوا في شراك التنظيمات الإرهابية، فدمروا الأوطان وشردوا الإنسان وحرفوا مفاهيم الإسلام؟
فكيف نحصّن المدارس العتيقة من اختراق واستغلال هذه الحركات؟
وفي الشق الثاني من المحور، نتناول الأدوار الاجتماعية للمدارس العتيقة في بناء السلم الأهلي، وكيف أصبحت صمام أمان لوحدة المجتمعات، وبثِّ روح الألفة والأخوة والمحبة، وإشاعة السلام والوئام بين مكونات النسيج الواحد، فأذابت حاضنتها العلمية والتربوية كلّ الفوارق، وأحالت التنوع إلى ثراء والاختلاف إلى انسجام.
كيف كانت المدارس العتيقة في القارة جهة يحتكم إليها عند النزاعات، ويلجأ إلى منهجها في المصالحات والحوارات، وتدبير الاختلاف بما تميزت به من حكمة العلماء، وعلم الحكماء، وتحكيم العقل، وتغليب منطق المصالحة، على منطق المغالبة والقوة.
المحور الثالث: التعليم العتيق في السياق المعاصر: تحديات وفرص
لقد نشأ التعليم العتيق في بيئات تقليدية مشبعة بقيم وروح الإسلام، وفي مجتمعات تقوم على توازنات عرفية معينة، وعلى تضامن وتكافل موروث، مما سمح لهذا التعليم أن يزدهر في شكل مؤسسات أهلية تنمو نموا طبيعيا، وفق البيئات والإمكانات الذاتية.
أما اليوم فقد وَجَدَ التعليم العتيق نفسه في سياق مغاير حيث الدولة الوطنية هي الإطار الشرعي والقانوني لكل نشاط مجتمعي لا سيما التعليم الذي يشرف على بناء وتكوين أبناء الوطن وتهيئتهم للاضطلاع بدور إيجابي في مجتمعاتهم.
فكيف السبيل إلى إيجاد صيغ مؤسساتية تلائم متطلبات التشريعات الوطنية، وتضمن لخريجي التعليم العتيق الاندماج الفعال في الدورة الاقتصادية لمجتمعاتهم، وتقيه من أن يصبح جهة صانعة للهامشية والغبن وهما البيئة الخصبة لنمو التطرف والغلو؟
وكذلك يواجه التعليم العتيق مد العولمة الجارف بتدفق المعلومات بلا حدود عبر وسائط الاتصال وقنوات التواصل ووسائل المواصلات التي جعلت البشرية تعيش في قرية كونية واحدة، مما نشأ عنه وضع لا يَعترف بالخصائص ولا الخصوصيات.
فكيف للتعليم العتيق أن يصمد أمام هذا المد فيكون معقلا للقيم، قيم السلم والأخوة والتعاون في مواجهة قيم العولمة، قيم الصراع والمغالبة؟ بل كيف نُحيل التحدي إلى فرص للتطور الذاتي والتفاعل الإيجابي مع ما تتيحه هذه العولمة نفسها من إمكانات لإنتاج المعرفة بيسر وعمق وإشاعتها على أوسع نطاق؟
المحور الرابع: التعليم العتيق والتعليم الحديث: نحو التعاون والتكامل
يبحث هذا المحور في أوجه التواصل بين التعليمين العتيق والحديث، وكيف يمكن أن يثمر هذا التواصُلُ تعاونا وتكاملا يعود بالنفع عليهما معا، ويعزز من قدرتهما على تنشئة أجيال محصنة ضد الانحراف والفكر المتطرف؟
كيف يستفيد التعليم العتيق من المبتكرات المؤسساتية والتربوية في التجربة الحديثة، وفي المقابل كيف يستمد التعليم الحديث من العتيق خصائصه الأصيلة التي أتاحت له الفاعلية المجتمعية؟
كيف يمكن الاستفادة من وسائل الاتصال الحديث والمنصات الرقمية؟.
الورشات
حرصا من " المؤتمر الإفریقی لتعزیز الســـلم" على المزید من توضیح الرؤى وتعمیق المفاهیم؛ ستُثرى محاور الملتقى وجلساته العامة بورشـــات تتاح فیها الاســـتفادة بشـــکل أمثل وأوسع من تجارب العلماء وإســـهامات الباحثین والمدعوین ترشیدا للوجهة وتنويعا للمقترحات:
الورشة الأولى: التعليم العتيق ومعضلة الاستدامة
لقد كان التوازن الأهلي التقليدي وما يطبعه من روح التضامن والتعاون هو الضامن لاستمرار مؤسسات التعليم العتيق، فكيف وقد اختلّ هذا التوازن وانحل نظامه وتغيرت وظائف وأدوار مكونات المجتمع، نوجد صيغا مبتكرة للتّمويل تحقّق شروط الكفاية والشفافية والاستدامة؟ ما هو دور مؤسسة الوقف في تمويل التعليم العتيق؟
الورشة الثانية: نماذج ملهمة تنير دروب السلام
تهدف هذه الورشة إلى استعراض بعض النماذج الإيجابية التي استطاعت أن تطور مبادرات مبتكرة لاستعادة فاعلية التعليم العتيق في نشر ثقافة السلم وقيمه، وأن تلعب دورا فعالا وإيجابيا في مجتمعاتها.
كما يبتغى من هذه الورشة أن تعرض كذلك بعض التجارب الناجحة في تطوير التعليم العتيق.
قمة الشباب والمرأة: التعليم العتيق: التحصين والتمكين.
بعد نجاح النسخة الأولى لقمة الشباب والمرأة تحت الرعاية السامية للسيدة الأولى الدكتورة مريم محمد فاضل الداه، تأتي هذه النسخة الثانية لتشكل فرصة ثمينة للقيادات النسوية والشبابية الإفريقية للجلوس على طاولة النقاش البناء والمثمر مع مشايخ التعليم العتيق لمناقشة حاجة هذه الفئات للتعليم الأصلي كحصن حصين للدين والهوية من جهة، وما يتطلبه تعليم وتربية الناشئة من رعاية وعناية وحماية في بيئات تكفل لهم التنشئة القويمة، وتحفظ لهم الكرامة وتصون الحقوق.
كما ستتيح هذه القمة الفرصة لحوار بناء بين العلماء والشباب كأكبر فئة تحتضنها مداس التعليم العتيق وذلك لطرح أبرز الاشكالات التي تعترض الشباب في التعليم العتيق؟.
وكيف يمكن للتعليم العتيق أن يجعل من شباب القارة مصابيح تنير للناس طريق الخير والعافية والسلم؟، وكيف يمكن لمدارسه أن تحصن الشباب من التطرف؟ بل و تشجعهم على استثمار طاقاتهم ومعارفهم وخبراتهم في خدمة السلم والتنمية، بدلا من الاستسلام لثلاثي "اليأس والتطرف والهجرة المميتة".